طابور


ماذا لو صنعنا من الجمعة يوم للحكايات ... لنجرب J



" طابور "




أنا متورط في الكثير من القذارة ربما بعدد هذه الحبيبات الناتئة من الجدار الأسمنتي حيث يسحق وجهي على سطحه ... أبدأ العد وأنسى أين وصلت ...

أنا عبد لصاحب اليد السمراء التي لم تكف عن ضربي في العشر الدقائق الماضية ... أنا عبد لكل أصحاب العيون المحدقة ... أنا صفيحة لحم وهم طابور يريد كل منهم قطعة مني وله أن يأخذها بالطريقة التي تريحه ...

تريد بعض المال صف في الطابور ... تريد أن أوزع لك بضائعك المحرمة أحجز لك مكاناً ... تريد أن تمارس الملاكمة فقط لأنك تريد ذلك ... جسدي لا يمانع أرجو فقط أنك لا تمانع الطابور ... وأنت؟ أوه تريد ... تريدني أنا شخصياً؟ ... أنت تعرف أن الشخصيات الكبيرة تقف دائماً في أول الطابور فلا تسمح لأحد بأن يسبقك ... ربما أنت تملك خطة أو أثنتين لي ... أو ربما الطابور كان فكرتك منذ البداية ... تبدأ بي ... تحجز مواعيدك الخاصة ثم تبدأ باستثمار ما بقي مني ... وفي حال تجلى لي الرفض ... أقول في حال اكتفيت واستسلمت لكل العواقب المخزية التي تنتظرني ويفترض بها أن تكون أسوء من استعباد كل جزء مني ... في حال أن عقلي وسني الصغير توصل لنتائج كهذه يمكنك دائم أن تفرك وجهي جيداً بأي جدار أسمنتي لم تبنيه بنفسك ...

في الوقت الذي ما تزال المعد تستريح فيه من الغداء أنا أضرب بوحشية في ظل عمارة رمادية تحت الإنشاء ... ربما سأموت ... ربما الطابور لن يصل لنهايته ... ربما الأمل يختبئ في البيوت المسكونة فقط ... أو ربما كان يقضي مشوار مستعجل والآن فقط وصل ... يركب سيارة مالك العمارة ... صوت السيارة تتوقف أوقف الضغط على الجدار المسكين الملتصق بوجهي ... وصوته يترجل ويتحدث في هاتفه سمح لجسدي بأن ينزلق على الجدار ... يمكن لعقل صغير أن ينتهز فجوة صغيرة في الوقت ويحرك فيها جسداً أنهكه عمره الصغير ...

كانت الرياح تلهب كل الخدوش على وجهي ... تستصرخها علي ... وكل شظايا الخشب التي خلفتها العصى الخشبية في ظهري تحاول إيقافي ... ساقاي المتورمة من الركل تريد المزيد على أن تركض أكثر ... الورطة كبيرة والطابور في إثري ... ويبدو أن لدي فم يجب إسكاته ... أول باب مفتوح سيكون خياري ... وكان باب المسجد ... 

كيف يمكنك أن تحتمي داخل مسجد في حي لم يستيقظ من قيلولته بعد ... وهل يتركون باب المسجد مفتوح ... هل يمكن أن أغلقه خلفي ... هل ستمنع ذنوب الطابور الضخمة الطابور من الدخول خلفي ... وهل سيسمح الرجل الجالس في مقدمة المسجد لي بالدخول ...

عادة لا يأتي الناس للصلاة وهم ممزقي الثياب منقطعي الأنفاس ... لا يتلفتون كثيراً ولا يتعرقون كالمطر عند الباب ... ربما لذلك أشار لي الرجل بيده لأتقدم نحوه ... أو ربما لأنه سمع جلبة خفية للطابور خلفي ...

في المسجد لا توجد خزائن كبيرة تتكور بداخلها ولا غرف سرية تضيع بها ... يوجد فقط رجل يرتدي مشلحه كما يفعل أي أب للتو عقد قران ابنته وخرج ليقرأ القرآن في المسجد قبل الأذان كما يفعل كل يوم ... في المسجد يمكن لهذا الرجل أن يكون المؤذن ويمكن له أن يسمح لك بالوقوف أمامه ويرفع هو يديه ليؤدي الآذان الذي لم يكن ينوي أن يقيمه قبل دخولي ... وتختفي أنت خلف حجاب مشلحه المنسدل من على ذراعيه المرفوعة ... تخفيك أول " الله أكبر" من العيون الهائجة في إرجاء المسجد خلف المؤذن ... والتي تبحث جيداً عن صفيح اللحم  لكنها لا تشتهي صلاة قبله ... كانت لتسأل المؤذن لو لم يكن يؤذن عن ربما جسد مهزول متورم ومهزوم ... لكن الآذان عادة يسكت الكثير من الكلام ...

رائحة الدم النازف من أرجائي تستسلم لرائحة العود والبخور الطيبة التي تفوح من ثوبه الأبيض وتغمر لحيته الرمادية الكثة ... أزرار ثوبه مرتبة وفي مكانها على عكس أزراري المفقودة ... وأقدامه بيضاء وشاحبة وعارية ... وأنا أغوص من العار في حذاءين متسخين وطأت بهما على مكان سجود الإمام ... لا أذكر أن الناس يدخلون بأحذيتهم المسجد ... نحن لا نفعل ذلك في مسجد المدرسة ... لكني الآن أوسخ موضع سجود الإمام ... جبهته التقية ستسجد اليوم على أثر بسيط مني ... وسخ يشبهني تماماً ...

يمكن للوقت أن يتمدد أمام المؤذن ويأخذ وقته وهو يستمع لأذانه الشجي ... لكن الجلبة سبق ورحلت ... لا أظن أن وقتها قادر على التمدد مثل وقتي ... وقتها حتماً ليس لديه وقت مثل وقتي ... لكنني مثلها علي أن أرحل ...

غادرت المسجد على آخر " الله أكبر " ... وفي الحمام اغتسلت وحاولت استعادة شكلي البشري ... وخرجت مسرعاً وأنا من الخوف منفتح تماماً لأي صوت يمكن لي التقاطه ... ولم اسمع إلا عتاب ابن المؤذن له وهو يقف عند الباب ويحدق بساعته ... " ما خطبك؟ لم يحن بعد وقت أذان العصر ... بقي ربع ساعة " رد المؤذن بصوت واهن " أوه يبدو أنني رفعت الأذان في غير وقته " ...

الأتقياء يجدون دائماً طريقة أو أخرى لقول الحقيقة ... بينما نجد نحن المذنبون طرق كثيرة لجعل هذه الحقيقة لا تبدو كحقيقة ...

في المسجد شاهدت مشلح المؤذن يهتز برفق بسبب من النسيم الخفيف القادم من الخلف ... شاهدت قطعة القماش الخفيفة هذه تخفيني وتمنحني أماناً ما ذقت مثله من قبل ... أتخيلها الآن ترفرف مجدداً فوقي وأنا مدد على الأرض خلف البقالة ... ربع ساعة كانت لتنقذ حياة كاملة ... كانت لتوفر لي أكثر من بضع دقائق ... كانت لتأخذ الطابور بعيداً ... كانت لتضلله في أنحاء الحي النائم ... ربما كنت قضيت جزء منها أستذكر الترتيب المناسب للوضوء وكنت لأنهيها بصلاة ... لكن الوقت المتمدد تقلص فجأة وأنتهى ...

لكل منا طابور يلحقه لكن بعضنا طابوره أكثر إصرارا وجنوناً من البقية ...


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحنين وأشياء أخرى في رسالة

عن بغلة القبور

الرابط العجيب بين نشر إيران للتشيع، وغسيل إسرائيل الوردي!