الحنين وأشياء أخرى في رسالة


عزيزتي م. م.

أحن لك كثيرًا هذه الأيام، لا أعرف لماذا ولكن هكذا يعمل الحنين، عشوائي وحاد للغاية، يقطع عميقًا بداخلنا حتى يصل إلى مناطق مؤلمة جدًا.

ولسبب أجهله استمر بتذكر لحظة بعينها، بوضوح شديد وكأنها كانت البارحة، كنت أجلس في الساحة المكتظة بالطاولات والكراسي الخشبية أمام مبنى د الصغير، وكنت أحل واجب مادة الاستماع إن لم أكن مخطئة، وكنت منغمسة في الحل ثم شعرت بشعور غريب، حاجة ملحة لرفع نظري، وكنت تقفين أمامي متكئة على الكرسي المقابل تتأملينني وعلى وجهك ابتسامة دافئة، شعرت بالخجل والسعادة في ذات الوقت لأن شخصًا مثلك موجود في حياتي، شخص يمكن أن يقف بصمت لدقيقة يراقبني وأنا أقوم بشيء ممل جدًا مثل حل واجب.

ولكن الواجبات هي ذاتها التي دفعتني بعيدًا عنكِ وعن البقية، بقدر ما كنت استمتع بقضاء الوقت معكم بقدر ما كنت أتضايق من سخريتكم المستمرة من حرصي على المذاكرة والواجبات وحضور المحاضرات حتى المملة منها بعد الواحدة ظهرًا، مع أنكم كنتم جميعًا متفوقات إلى حد ما، لكن الواجبات بدت لكم مستوى مختلف من الالتزام، وأنا لم أكن أبدًا طالبة مثالية لكني فقط أشعر بحس أكبر بالمسؤولية تجاه واجباتي الدراسية، ويسعفني ذكائي في اللغة على الحصول على درجات مرتفعة، لذلك فضلت أن أنسحب وأبحث لي عن مجموعة لا تتضايق كثيرًا عندما أحل واجبًا لا أكثر ولا أقل.

موقف آخر أذكره بوضوح، كان في الفترة التي بدأت فيها بالابتعاد عنكم، وكنا نتسكع في الساحة الخارجية بعد أن انتقلنا لفرع الجامعة الجديد في سنتنا الثالثة، وأذكر أنكِ كنت تسيرين أمامي بجانب صديقتنا التي نسيت اسمها، لا أذكر بالضبط مع من كنت أسير خلفكم ولكني أذكر عندما وقعت عيناي على يديكما وهي تتلامس لثانية ثم تشتبك، كان مشهدًا من فيلم، ووجدت نفسي أضحك في داخلي وأعجب كيف استطعت التقاط هذا اللحظة بالذات، ربما هي الكاتبة بداخلي التي تحب التفاصيل الخفية، ولكنها كانت علامة على أنني لم أعد جزء من المجموعة.

لم تكن تلك أول مرة أجد نفسي خارج مجموعة من الأصدقاء قضيت معها وقت حميم، لأنني لم أعد أجد مكانًا مريحًا بينهم، لقد حدث لي ذلك مرارًا حتى بعد تخرجنا، أظنني عشت دور الدخيلة طوال حياتي، كل شيء يكون جميلًا في البداية ثم تنقلب إحداهن علي كما فعلت ش بعد وفاة أختها غير الشقيقة فورًا، أو أن أجد أنني لم أعد استطيع أن أنسجم كثيرًا مع أفكار المجموعة وممارساتهم كما حدث معكم، أو أن تفرق بيننا الأماكن كما حدث مع زميلاتي من الثانوية، أو ببساطة لا أتواصل معهم حتى أُنْسى.

ومع ذلك لم أنهي علاقة بجدال أو كره منذ دخلت الجامعة، لذلك أجدني دائمًا أتذكر الجميع بشيء من السعادة والحنين، الجميع تركوا ذكريات حميمة ومميزة، وعشت معهم تجارب فريدة، نعم لم استطع الاحتفاظ بأي منهم حتى اليوم بسبب عادة الانقطاع المتأصلة فيّ، ولكني سعيدة بتذكركِ وتذكر علاقتنا الجميلة حتى نهايتها.

لست متأكدة إن كان الرقم المسجل عندي باسم مشتق من اسمك ما يزال رقمك، ولكني أود لو استطيع أن أخبرك بأنني نجحت في نشر كتاب، لم أنشر نصوصي التي كنت أجمعها في ذاك الوقت لكني نشرت رواية، وأكتب الآن الثانية وأعمل على موقع شخصي لنشر مقالات من كتابتي وترجمتي عن الكتابة، ولدي فضول شديد لأعرف ماذا تفعلين أنتِ الآن؟ عساك تكونين بخير! سعيدة وسالمة وراضية، ومرحة كما عرفتك دائمًا!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عن بغلة القبور

الرابط العجيب بين نشر إيران للتشيع، وغسيل إسرائيل الوردي!