عن بغلة القبور


 




أبدأ أولاً بحمد الله على جزيل عطاياه وتزاحم نعمه علي.

 

بدأتُ كتابة الرواية في إجازة الربيع سنة 1437 هـ (2016) بعد فصل دراسي شاق في مرحلة الماجستير؛ كنت أبحث عن مسلسل آسيوي يناسب ذوقي لأشاهده، ووجدت مسلسل صيني مأخوذ عن رواية لكني لم أكن أعرف وقتها، قرأت خلاصة القصة وفهمت منها أن القصة تدور حول رجل وزوجته كلاهما قاتلان، شدتني الفكرة كثيراً وبدأت أتخيل علاقتهما وأتصور كيف يتشاركان في القتل ولا أذكر هل فهمت من الخلاصة أنهما يتستران على بعضهما بعد أن وقعا في مشكلة أم أنني تخيلت ذلك، المهم أنني كنت مخطئة. شاهدت أول حلقة واكتشفت ذلك. استغربت الاختلاف بين أحداث المسلسل في الحلقة الأولى والقصة في الخلاصة فعدت لقراءتها ولا أدري حقاً كيف فهمتها خطأً، لكن ربما بغلة القبور كانت تتوق حقاً للخروج للحياة.


طاردتني الخيالات التي بنيتها على فهمي الخاطئ لقصة المسلسل، فقد شعرت بالإحباط الشديد عندما أدركت أن القصة مختلفة تماماً، ولم أتمكن من الخلاص من الرغبة الشديدة في مشاهدة شيء يشبه ما تخيلته، ومن هنا ولدت بغلة القبور. كبرت الخيالات أكثر وصارت تهجم علي -مثلما تفعل كل قصة قصيرة كتبتها يوماً- ولا يهمها ماذا أفعل وقت هجمتها، أأستعد للنوم، أأكل، أأغسل الأواني، لا يهم. كانت تُوقف كل ما أفعل، تُسمّر عيوني على بقعة خالية من الأهمية في محيطي، وتُصمّ آذاني عن أي صوت لا ينبعث من رأسي، ثم تتلوى داخل رأسي وتتوالد أفكاراً تلو أفكار، حتى قررتْ أنه حان الوقت المناسب لتُكتب.

 

بدأت فعلياً في كتابتها. ويجدر بي أخباركم من باب المشاركة فحسب، بأنني رتبت نهايتها بسرعة كما يحدث دائماً في أي عمل كتابي أبدأه. النهاية دائماً تأتي مبكرة، مبكرة جداً. وأعترف لكم لقد غيرتُ النهاية لاحقاً ومع ذلك فقد كان ذلك مبكراً أيضاً قبل ولادة بعض الشخصيات. وقد تجدون ما سأقوله الآن غريباً -أقصد أنتم اللذين قرأتم الرواية- وأنا أعمل على النهاية قبل حتى أن أكتبها كنت أتقطع ألماً وحزناً. لقد كانت ريا -بطلة الرواية- أكثر من مجرد شخص على ورق إلكتروني. لقد عشت معها كل حدث، كل كلمة، كل التفاته، كل نظرة، كل شيء فعلياً ومعنوياً. ولكم أن تتخيلوني أعيش معها النهاية. أحياناً أفكر في كل ما فعلته بها والمشوار الطويل الذي قضيناه معها. لقد أطعمتها أحزاني، وحشرت كآبتي بداخلها، وجرعتها كثيراً من إحباطاتي ثم أطلقتها لعالم الورق والأنامل.



 

كتبت الرواية بشكل متقطع بسبب الدراسة ومشروع التخرج. كنت وقتها أحاول انتهاز الفرص لأكتب، حتى أنني كنت أكتب وقد خرجت للتو من الحمام بعد الاستحمام، لكني لم أنجز الكثير. ثم توقفت أثناء عملي معيدة في الجامعة وكانت أسوء فترة كتابية لي. لقد خمل عقلي فيها تماماً ولم أعد أجد وقتاً ولا جهداً لأكتب، لم أكن أنا باختصار. وبعد استقالتي وهدوء العاصفة بعدها عدت لأكتب. كنت في أوج نشاطي فيما يتعلق بالرواية ووقتها ولدت هبة ونعمة وأعدت كتابة الرواية لأجلهما. كنت أصعد لأعلى غرفة في البيت بعد الغداء، أقرأ قليلاً ثم أشرع في الكتابة.

 

كنت أدون كل فكرة تطرأ لي على هاتفي حتى لا أنسها، ولو قرأ أحدهم ملاحظاتي وأفكاري لضحك علي وربما اتهمني بأنني لست من كتب الرواية. كنت أكتبها بالعامية بطريقة أحكي فيها لنفسي ماذا فعلت الشخصية وماذا ستقول وما هو دافعها. وأحياناً أكتب أوامر لي تتلخص فيما علي تعديله أو تغيره فأقول مثلاً أفعلي كذا أو غيري كذا. وأحياناً أذكر نفسي بتناقضات وجدتها لاحقاً فأخبرها بأن فلان يفترض أن يكون كذا أو كذا عوضاً عن كذا.

 

من الطريف أنني كنت أجد صعوبة شديدة في اختيار الأسماء، وكنت أقضي وقت طويييلاً حتى اسمي شخصية ما باستثناء أحمد. أحمد حمل اسم أكثر شخص كرهته في حياتي وقت بدأت كتابة الرواية. لا أستطيع الإفصاح عن التفاصيل حول أحمد الحقيقي لكني أقسمت منذ البداية بأنني سأطلق على أسوء شخصية في الرواية بالنسبة لي وأكثرها بغضاً عندي اسم أحمد.

 

باغتتني الكآبة بعد فترة من الكتابة المثمرة وفقدت ثقتي في قدرتي على الكتابة، وأسوء من ذلك فقدتْ كل الأِشياء في حياتي جدواها. وزاد انعدام القرّاء من الطين بلة، فلم يكن أحد من أفراد عائلتي -من اللذين تجرأت وطلبت منهم- على استعداد لقراءة ما كتبته، وكما هو واضح أنا لست نشطة على مواقع التواصل الاجتماعي، ليس بقدر كافي يجمع لي قرّاء ويحافظ عليهم. ولا أحب كتابة النصوص التي عادة تجتذب القراء، فأنا في المقام الأول قاصة وهذه روايتي الأولى. حاولت أن أعود لكتابة قصص قصيرة لكني كنت أرى كتاباتي خربشات إلكترونية سيئة. كنت في أمس الحاجة لمن يخبرني بأنني جيدة في الكتابة على أقل تقدير، لكني لم أجد من هو مستعد وأثق به. المبكي ذاك الوقت مضحك الآن، فلم يقرأ راويتي بعد أن نشرتها من أخوتي الكثر غير واحدة، والأخرى لم تصل بعد للمنتصف. وأنا لا ألومهن، لكنني أذكر ذلك لأؤكد على أهمية القُرّاء في بداية مشوار أي كاتب.

 

يمكنني أن أسمي ما مررت به حبسة كاتب برعاية أزمة غائية رهيبة. كنت أعرف يقيناً الغاية من الحياة، لكنني لم أعرف الغاية من حياتي أنا ولا من كتابتي ولا من أي شيء آخر. أذكر وقتها أنني وأنا في أسوء حال شاهدت مقطع لمقدمة محتوى على اليوتيوب تعمل مع دار بينقوين للنشرPenguin Random House  إن لم تخني الذكرة، وكانت تراجع أهدافها الثلاثين قبل سن الثلاثين، ولكم أن تتخيلوا كم أشعرتني إنجازاتها -بطبيعتي البشرية- بالإحباط والفشل والعجز. تذكرت أي وظيفة خيالية يقتتل عليها الناس كنت أشغلها قبل أن أكرهها وأستقيل منها لأنني لم أكن أنا، وكيف أنني الآن لست أنا أيضاً، ندمت! ندمت على تركها وتساءلت كيف سأعيش في هذه الحياة وأنا لا هدف لي حتى الكتابة التي ظننت أنني تركت وظيفتي لأجلها لم أعد أجيدها ولا أرى منها فائدة. ثم نهضت وصليت ركعتين، وفي سجودي أدركت كم أنا محفوفة بعناية الله، وفيما أشعر بفشلي لأن تلك الفتاة تحقق أهدافها وتعيش حياتها سعيدة، أنا أسجد لله. أي صنيع بذلته لأستحق هذا الفضل الكبير علي من الله. لا شيء ... لا شيء إلا أن الله منّ علي أن ولدت مسلمة. تذكرت وقتها -وكم نغرق أحياناً في الغفلة- بأن هذه الحياة ستزول وأن الحياة الباقية هي ما بعدها. لا جدوى من أي شيء مالم يكن يصب في صالحنا فيما بعد هذه الحياة ولا فشل حقاً إلا الفشل في العمل لأجلها، وأي راحة منحني تذكر هذا. الفشل الذي اعتقدت أنني أعيشه ليس الفشل الحقيقي إنه فقط سوء تدبير وتقدير وكآبة.

 

عدت للكتابة. أذكر وقتها أنني حددت لي شهراً لأنهي فيه الرواية وذلك بأن أكتب كل يوم -ألهمتني إحداهن على اليوتيوب تجربة ذلك. كان ذلك في الشتاء الماضي في شهر أربعة من العام الهجري على ما أذكر وكنت أنتظر نوم الجميع حتى أبدأ بالكتابة في الظلام. كنت أجلس أمام شاشة جهازي المحمول وأكتب ولو سطراً أو حتى أعيد كتابة فقرة كتبتها الليلة الماضية، المهم أن أجلس على الأقل نصف ساعة، وكنت أستعين بالمؤقت على هاتفي لتحديد الوقت. أذكر أنني في أحد الليالي عانيت من جدب في أفكاري فخرجت آخر الليل لفناء البيت الخارجي وأخذت أمشي في الجو البارد جداً حتى باغتتني فكرة، حكتها جيداً في البرد ثم عدت للداخل لأبدأ في كتابتها. كنت قد قطعت شوطاً طويلاً فيما مضى لذلك تمكنت من إنهائها خلال شهر تقريباً.

 

تقاعست كثيراً بعد أن أنهيتها قبل أن أستعيد إيماني بنفسي وأتواصل مع دار نشر، وها هي اليوم بفضل من الله وكرم منه على الرفوف كما حلمت دائماً. لا أزعم أنها أفضل ما كتبت ولا أفضل ما ستقرؤون، لكنها حتماً تستحق القراءة

 

يمكنكم اقتناؤها من هذه المواقع:

نيل وفرات

جرير

تشكيل

جملون

 

صفحة بغلة القبور على Good reads

 

يسعدني أن أقرأ في التعليقات آرائكم عن الرواية، ولا تبخلوا بمشاركتي تجاربكم في كتابة رواياتكم الأولى.

 

 

 

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحنين وأشياء أخرى في رسالة

الرابط العجيب بين نشر إيران للتشيع، وغسيل إسرائيل الوردي!