الشذوذ الجنسي ...


كمسلم ببساطة يؤمن بأنه عبد لخالقه سيتقبل كل ما أمر به وكل ما نهي عنه بإيمان وتفاني ... لأنه بنظره واحدة على شريعة دينه سيجد أنها لم تخذله يوما وأنها الأنفع للبشرية أجمع حتى لغير المتدينين وغير المؤمنين ...

والشذوذ الجنسي لا يختلف عن غيره عندما نلجأ للدين أيا كانت الديانة ... فعلى حد علمي جميع الديانات السماوية تدينه وترفضه تماما ... وفي مجتمعنا الشذوذ الجنسي لا يعدو عن كونه ثقافة دخيلة ...

بالنسبة لي أرى أننا كمجتمعات عربية نقبع تحت ثقل الكبت ... ليس الكبت الجنسي ما أتحدث عنه لكن الكبت لكل احتياجاتنا الطبيعية بشكل عام هو ما أقصده ... نحتاج الحب ولا نحظى به ... نحتاج مساحة خاصة بنا ولا نقدر على توفيرها ... نحتاج للتعبير عن أنفسنا ونحرم الأحقية في ذلك إما بسبب عادتنا وتقاليدنا أو بسبب الاستخدام الخاطئ والفهم العقيم للدين ...

وفي لحظة وجدنا أنفسنا ملاك لتقنيات حديثة جلبت لنا طرف العالم الأخر معها وبتنا في مواجهة كل ما لا يشبهنا ... كل ما كان يوما ممنوع, حرام, أو عيب هو بدون أي قيود مسموح في أطراف العالم الأخرى ... وتمكنا من أن نرى أجيال في نفس أعمارنا يعبرون عن أنفسهم بكل الطرق التي حرمنا منها أفلا يجعلنا هذا نرغب في الوصول للدرجة ذاتها من الحرية ... لكن سنين من الكبت كفيلة بالتأثير على النتائج فبدل من أن نستغل الفسح البسيطة التي منحتنا إيها التقنية والزمن في التعبير عن أنفسنا بما يعكس أفكارنا ويرقى بمجتمعاتنا أصبحنا على النقيض تماما من أنفسنا ... أصبحنا مجموعات من المقلدين باسم الحرية ... وهذا يفسر الكثير من الصرعات التي تجتاح نظري كل يوم وتلوث أي فكرة إيجابية عن عالمنا ...

الشذوذ ليس استثناء ... هو ايضا وجه أخر للعملة نفسها ... الكثير ممن يدعون أنهم ولدوا بميول جنسية مختلفة عن الطبيعي في مجتمعاتنا ما هم إلا بذرة سنين من الكبت والحرمان تلاها انفتاح هائل على عالم مناقض ... هم ضحايا حرمان عاطفي وفراغ همجي ... هم جوعى للاهتمام تماما مثل بقيتنا ... لا شيء سيشبعنا إلا الاختلاف وفي مجتمعات كمجتمعاتنا التي ترزح تحت غزو متواصل لعلمنتها وأضعاف بنيتها الدينية نجد أنفسنا كل يوم وجها لوجه مع مفاهيم جديدة تغزو عقولنا ونجد أنفسنا مضطرين للتفكير فيها باستمرار وربما محاولة شرعنتها واللجوء لاتهام من حولنا بالتخلف والرجعية والديكتاتورية وربما الظلم والعنصرية ...

قبل خمس سنوات كان أقصى ما أسمعه عن الشذوذ هو أساطير واليوم وبعد انتشار المفهوم بين الجميع وحقيقة أن البعض أصبح يبرره وربما يدافع عنه باسم الحرية تدفعني للتفكير في الأمر بشكل جدٍي لعلي أقبله ولا أتهم يوما بالعنصرية لكن كما قلت هو دخيل ساعده الأعلام لكي يجد له عقول ليغزوها ويعيش بداخلها ...

تتابع مراهقة مسلسل أجنبي مثل PLL حيث إملي تكتشف مبكرا أنها مختلفة ولا تخشى من مواجهة العالم باختلافها ... وتبرر هذه المتابعة المراهقة لنفسها أن مشاعرها الغريبة تجاه صديقتها ما هي إلا بسبب اختلافها وليس لأنها تشعر دائما بالحاجة للحب وليس لأنها تشعر دائما برغبة في الحصول على شخص تهتم من أجله ويهتم هو في المقابل بها ... لا لا هذه المشاعر الآن لها سبب آخر أنه اختلافها وربما بعد أربع سنوات من ممارسة نفس الطقوس ستجد من الصعب الارتباط بالجنس الآخر وهذا في نظرها أيضا ليس لأن الحب الشاذ أتلف روحها بل لأنها مختلفة ... الحقيقة هذا كله هراء المجتمع فسد وبالتالي نحن فسدنا وبتنا نفكر كما يريد العالم الخارجي لنا أن نفكر ...

لقد توقفنا عن التعلم والقراءة الجادة وبالتالي أصبحنا أرض خصبة لكل جديد ليزرع وأصبحنا صفحات فارغة ليتم تعبئتنا بأفكار لا تنتمي لنا ... أصبحنا فارغين نبحث عن شيء يملأ فراغنا ومجددا الشذوذ ليس إلا شكل من أشكال أثبات الذات وملء الفراغ ولكنه أكثر شكل صاخب ومثير للتحفظات بعكس كل المظاهر الخارجية الغريبة التي تلفت الانتباه لجيل على وشك الضياع للأبد ...

وفكرة أن علينا تقبل الشواذ فكرة بلهاء وغبية ... لأننا جيل نسعى للتعبير عن أنفسنا بشراسة لا يهم أيا كانت خلفياتنا المهم أننا سندافع عن حقوقنا في التعبير عن أنفسنا أيا كانت الطريقة التي سنلجئ لها للتعبير وسندافع بضراوة بشكل لن يسمح لنا معه العودة للرشد ومراجعة أنفسنا ... وبتقبل ذلك فنحن نفتح الباب لتقبل المزيد من جنون التعبير عن النفس ... فالذي سيدفعنا للتعاطف مع الشواذ أنهم ليسوا إلا أرواح واقعة فالحب وبالتالي ما الذي يمنعنا من استنكار واستهجان أي شخص يعاشر حيوان بدافع حبه للحيوانات ... أقصد أليس الحب هو المقصد والميول أتباع له ... فلو وقع أحدهم في حب كلبه لأي سبب كان فأنه سيسعى لنقل حبه للمستوى التالي ( العلاقة الجسدية ) وسيمارس الحب مع الكائن المغلوب ومن نحن لننكر هذا ... أنه نفس الحب اللذي نتبادله ونفسه اللذي يتبادله الشواذ ... وبعدها سأقرأ في مكان ما ـ كما قرأت من قبل عن الشذوذ الجنسي ـ أن مثل هذه العلاقة موجودة في البشر منذ قديم الزمان وأن الفنانين والشعراء قد مارسوا سرا مثل هذه العلاقة ... وبعدها سيبدأ أحدهم في أنتاج مسلسلات وأفلام تسلط الضوء على حياة البؤساء الذين وقعوا في حب حيواناتهم الأليفة وكيف أن المجتمع يضطهدهم ... ثم يبدأ في تصديرها لمجتمعات منغلقة ومتشددة ومع استمرار الترويج للقضية واستغلالها ـ في سبيل الشهرة أو أيا كان مقصده السري وراء دعم مثل هذه العلاقة ـ سيجد أرواح فارغة ـ مستعدة لعمل أي شيء في سبيل أيجاد معنى لحياتها وربما الحصول على بعض الاهتمام ـ لن تتوانى عن تبني الفكرة وعيش دور البطولة ...

الأمر برمته لا يبدوا منطقيا لو أخذنا وقتنا في التفكير ... فنحن كبشر نسعى دائما للجني الثمار من أي عمل نقوم به ... والحب ليس إلا عمل من أعمال البشر الروتينية ... وفي الحب نحن دائما نتطلع للخطوة التالية وننتظر الثمار لتنضج وما الثمار إلا كائنات صغيرة نسميها بشرا ... تكبر مع الوقت لتعيد الكرًه ... لكن من جهة أخرى الحب بالنسبة للشواذ طريق مسدود لا ينتج كائنات صغيرة ... وإذا ما صادف أنك شاذ وترغب في الحصول على بعض هذه الكائنات فستحتاج قطعا لاستلاف أحدهم من كائنين سويين ...

إن كنت لا تؤمن بقوة عظمى تدير شؤوننا أقصد أن كنت ملحدا فلابد وأن يصادف أنك تؤمن بشكل أو بأخر بالطبيعة الأم ... حسنا نحن كبشر نعي جيدا أو على وشك أن ندرك فظاعة العمل بعكس الطبيعة ... وإلا لما كنا نواجه اليوم بما يسمى الاحتباس الحراري وهو ليس إلا نتيجة لمشاكستنا الطبيعة ... وفي الطبيعة وخلال فترة التزاوج فإن الذكور تتقاتل للحصول على الإناث ... ونحن البشر مررنا بفترة من قتال الذكور للحصول على الإناث ما يقودنا إلى أن الطبيعة هي نقيض الشذوذ ومجددا أذكر الوقوف ضد الطبيعة له عواقب وخيمة قد تطال الروح بالفساد ...

أخيرا أود أن أنوه إلى كرهي الشديد لنظرية الحرية الشخصية ... أنها يا صاحبي محض هراء ... لا شيء يدعى حرية ... لا وجود لها حتى في أكثر دول العالم مناداة بالحرية هناك دائما عقاب لمن يمشي عاريا تماما في الشارع مع أننا جميعا ولدنا عراة ... وعلى الصعيد الفردي نحن لسنا أحرارا وإلا لما كنت أتجول طوال النهار في شكلي جسدي هذا وربما كنت قد اخترت الشكل المربع من باب التغير فأنا أرى أن المربع شكل لطيف للغاية ويمكن دائما الاعتماد عليه ... لا أقول أن شكلي الحالي لا يمكن الاعتماد عليه فأنا والحمد لله معجزة تتحرك ما يقودني للاعتراف بحقيقة كوننا سجناء لقدراتنا الضعيفة وحرياتنا المقيدة فحتى لو تمكنت من اتخاذ قرار بإعطاء قلبك إجازة ليوم واحد فسينتهي بك الحال ميتا ... فدعونا نتفق على أن ننسى وجود مصطلح حرية شخصية ونتفق على أن المرة القادمة التي سيذكره أحدنا فيها ستكون عندما يتمكن بشكل كامل التحكم بجسده الفاني ...

أعتقد أنني الآن وصلت لمرحلة قلت فيها كل ما لدي وبقي فقط أن أقول لكل شخص يشعر بشيء غريب وإن كان في كثير من الأحيان اعتيادي وربما في مجتمعات أخرى ... أقول إن كان يشعر بمشاعر تجاه شخص من نفس جنسه بأن لا يجزع ولا يعتقد أنه جن جنونه ... فهو أمر طبيعي لأننا نقضي جل وقتنا نتلقى ولا نأخذ وقت لتحليل المعطيات ونقضي الجل المتبقي من وقتنا نحاول أن نعبئ فراغ وقتنا بمزيد من التلقي بحجة أننا نرفه عن أنفسنا وعندما نريد أن ننجز يكون ما ننجزه نسخة مدبلجة عن شيء بدأه مجتمع أخر ونعاود التلقي حتى فسدت أرواحنا وانعدمت مصداقية رغباتنا ... لكن إليك نصيحتي أيا كنت : أقرأ ... نعم أقرأ في كل مجال وفكر جيدا قبل أن تتبنى أي فكره وربما عليك أن تكتب أفكارك وتراجعها من وقت لآخر ... وعليك أن تأخذ وقتا في استكشاف نفسك واكتشاف ما تحب وما تكره وأن تنمي مهاراتك ومواهبك وترسم خطة لمستقبلك وتشغل نفسك بمحاربة المجتمع المتراخي للوصول لأهدافك وليس لاكتشاف جسد لا يخصك ... وأياً كان دينك توسع في معرفته وأبحث دائما عن الحقيقة ... ولا تنسى أن ما يفعله العالم هو شأن العالم وحده ولست مضطرا لتغير أفكارك لتواكب العالم فلعله يكون مخطأ وأنت محق ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحنين وأشياء أخرى في رسالة

عن بغلة القبور

الرابط العجيب بين نشر إيران للتشيع، وغسيل إسرائيل الوردي!