عن الضياع



من بين كل الأصوات التي لا تريد سماعها صوتي يحدثك عن الضياع .. 

تعرف أسمك جيداً، وعنوان بيتك، كما تحفظ أرقام أفراد عائلتك. تعرف أين ولدت، ومتى وأين ولدت أمك وأباك وحتى جدك، ولديك لمحة عن تاريخك.

لكنك لا تعرف أين تجد الحقيقة ... ضائع أبداً في متاهات الأخبار ... تطرق كل الأبواب وتعير أذنك لكل الأراء، ولا تجدها أبدا ...
من يخبأها عنك؟ ... من يغريها بالهروب بعيداً عنك؟ ... من يضللك لتفقد أثرها؟ ... ومتى ستجدها؟ ...

أهي كائن أرضي؟ ... سماوي؟ أم بين البين؟

تُراها ولدت منذ الأزل في السماء على صفحات ماكان وماسيكون، ولما وطأت قدميها الأرض تلبسها البشر والشياطين على حد سواء ... وضاعت ... كما تضيع كل يوم بحثاً عنها. 

ضائع منذ ولدت وحتى تموت ... لا النبوؤات ستقربها منك ولا القراءة ستحصرها لك. كل ما دونها أوهام، وكل ما سوها أكاذيب ... ولست وحدك ... ذاك الذي جلس مراراً بقربك على مقاعد الدراسة ضائع مثلك، وذاك الذي وقف يلقي الدرس عليك أشد ضياعاً منك ... وفي حب ضائعة ستقع، وفي طريقكما ستنجبان بضعة صبيان وبنات ضُيع. 

وفقط عندما تطوى السماء كالسجل ستنعم أو ربما ستهلك برؤيتها جلية أمامك، كما لم ترها من قبل.

وكيف سيكون آن ذاك حال كل من أخفوها عنك. من شوهوها وسجنوها تحت عروشهم. من قرضوها من كل زاوية قبل أن يتقاسموا فتاتها تحت طاولاتهم المستديرة، والمربعة، وحتى الخفية.

ولا تظن أنك ستسلم من العذاب لأنك ضائع مثل البقية. فحتى الضُيع يُخفون ما يطالونه من حقيقة تحت ثيابهم، وفي الليالي الصامتة يقطعونها، ويخيطونها كيفما اتفق لأهوائهم ... وهذا ضياع لا يشبه غيره. 

تب من ضياعك، وتب عن الحقيقة، فإنها ضائعة مثلك ومثلي ..


*Photo by Kim Holtermand

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحنين وأشياء أخرى في رسالة

عن بغلة القبور

الرابط العجيب بين نشر إيران للتشيع، وغسيل إسرائيل الوردي!