الحارس في حقل الشوفان

نتيجة بحث الصور عن الحارس في حقل الشوفان





لا أذكر متى بدأت فعليا في قراءة الرواية لكني استغرقت وقتا طويلا لأنني كنت أقرأها غالبا قبل أن أنام ولأنني كنت أخلد للسرير غالبا مستعدة للنوم فقد كنت أنام قبل حتى أن أكمل صفحة واحدة ..

بدأت قراءة النسخة المترجمة ولأنني لاحظت أن لغتها بسيطة قررت فورا قراءة النسخة الإنجليزية لكنني ترددت كثيرا على الترجمة خاصة عندما استعصى على فهمي مصطلح أو معنى ما أو انتابني الفضول لأعرف كيف تعامل المترجم مع مشاكل النص الثقافية ...

بغض النظر عن الضجة التي أحدثتها الرواية في وقتها والتأثير الذي أجرته في المجتمع الامريكي إلا أن ما شدني لها هو الحالة النفسية التي عانى منها البطل وكيف تدهور كل شيء في غضون ليلتان ... ماكنت لأحزر مطلقا أن المراهق في بداية الرواية سينتهي به الأمر في مصح عقلي ... لقد أحببته كثيرا في البداية أحببت صدقه مع نفسه واعترافه بعيوبه وأن لديه شيء ليقوله حيال أي شيء وكل شيء .. وذلك لأنني أعرف أن كثيرا من المراهقين لا يمتلكون وجهات نظر خاصة بهم وليس لديهم ما يستحق أن يقال بشأن كل شيء أو حتى أي شيء يمر بهم ... لكني فقدت أعجابي به شيء فشيء مع الوقت ... 
وجدت نفسي أمقت شخصيته شيئا فشيء ... كرهت كيف يكره الناس بسرعة ويعلق كثيرا على سلبياتهم رغم اعترافه المستمر بنقصه هو شخصيا ... لكني حتما أشبهه في هذه الناحية ... ومن لا يفعل فنحن نجيد التقاط عيوب مجتمعاتنا وزيفها أو دعنا نقل أن كل منا يلتقط العيوب التي تصب في إطار اهتماماته فينتقدها ويهاجمها سرا وعلنا فيما يعترف بشكل عرضي بعيوبه بين الحين والآخر ... لكن ما المجتمع حقا إلا نحن مجتمعين ... نحن الذين ننتقد عيوبه ونتحدث بشيء من العفوية عن عيوبنا نصنع هذا المجتمع الذي لا يرضينا ..

أكثر ما أحزنني على امتداد الرواية هو قرار البطل منذ البداية بفرض عزلة على نفسه ... تساءلت كثيرا ماذا كان ليخسر لو أنه تخلى عن نظرته المسبقة للموضوع برمته وتوجه لعائلته منذ اليوم الأول ... أليس مثل هذا القرار ما يجعل كل الأشياء السيئة تتفاقم وتنفجر أخيرا في وجوهنا .. أنا أعرف أن سنه بطريقة أو بأخرى فرض عليه مثل هذا القرار ... فأختي عندما كانت في مثل سنه تقريبا  كانت تفرض نوعا بغيضا من العزلة على نفسها ...  تقصينا جميعا من حياتها وتتقوقع على مشاكلها وحتى اهتماماتها ... كان بأمكاننا أن نضحك لساعات ونفرد كل مشاكلنا أمام بعضنا لأيام ... وتبقى هي منعزلة عنا مستعدة للدفاع عن نفسها ضد أي شيء وكل شيء لسبب أجهله حقا مما جعل أتفه حديث معها يبدو وكأنه استهداف لها يفرض عليها إشهار أسلحتها وإطلاق مقذوفاتها علينا ...  بنت حواجز شائكة بارتفاع جبالنا حول نفسها ... وكانت تخرج نادرا من بينها لتعود مجددا في عزلتها ... حتى أيقنت أنني استنفدت  كل الطرق للتواصل معها ووصلت لمرحلة مقرفة معها ... أخجل حقا عن الحديث عنها أو حتى الحديث عن كيف وصلت لها ...  وتجاوزت مرحلة التخلي عن المحاولة وفقدان الأمل إلى ماهو أسوء.. ثم أشرقت علينا بكامل روحها وحطمت حواجزها وفردت أجنحتها الجميلة الملونة وأخذت شخصيتها تنضج شيئا فشيئاً لتفاجأني كل يوم بجمالها ... 

أعود إلى هولدن وكآبته وأتسأل كيف وصل إلى هذه المرحلة ... هناك الكثير من الإحتمالات تقودوني كلها إلى عائلته ... لا أنفك أفكر في أنه كان بوسعهم إدراك الأمر مبكرا ... حمايته من الوصول إلى هذه الهاوية ... ثم أتذكر أكثر القواعد أساسية عندما يتعلق الأمر بالكآبة ... " شارك من تحب سرك " أخبر عائلتك ... أصدقائك والأشخاص المقربين منك بأنك تمر بنوع من الكآبة ... أخبرهم بمشاعرك وبحالتك ... لا تبقي الأمر لنفسك ...

أذكر أن الكآبة هاجمتني في إحدى السنوات ... وصارحت أحدهم بالأمر غير أن الخطأ الذي ارتكبته أنني صراحت شخصا ضعيفا لا يقوى على مساعدتي وأكتفى بالاحتفاظ بسري ... لذلك عندما تقدم على مصارحة أحدهم تأكد من أنه لن يحتفظ بالأمر لنفسه بمصارحتك لشخص آخر وآخر ... أفش سرك بين أولائك الذين يهتمون بك ...
ربما لو أن هولدن صارح والديه أو حتى أخاه الكبير لما اضطر للتعامل مع زيف المجتمع وعجزه حيال أي تغيير لوحده ... أعلم أنني كثيرا ما أقع فريسة لهذا الزيف وعجزي حياله وأجد نفسي أرى صورة منزل في الريف تحيط به الخضروات المزروعة بوضح جدا ... وضوح يطغى على أي صوت منطقي آخر .. وضوح يخبرني أنه الحل الوحيد كما أعتقد الكاتب طوال حياته ... لكنه ليس كذلك ... ليس كذلك لكل الأسباب المنطقية ...

مهما يكن الحل سهلا تجد عقولنا طريقة لجعله يبدو معضلة حقيقية ... وليس لدي أي وصفة سحرية إلا واحدة عليك أن تطبقها بحذر وبجدية كبيرة حتى تجدي نفعا ... هذه الوصفة لا تناسب هولدن ولا أمثاله من الملحدين وهذا الأمر يقتلني كما يكرر هولدن دائما ... يقتلني بالمعنى الحرفي السلبي للكلمة ... لكن الوصفة تناسبني أنا كثيرا ... أستشير وأستخير وتوكل على الله .. هذا كل شيء ...

أود حقا أن أدعو الجميع لقراءة هذه الرواية خاصة أختي لكنني لن أجروء على دعوتها لسببين الأول أن الرواية تحمل الكثير من الألفاض النابية والجنسية والشاذة والثاني أنني فشلت فشلا ذريعا في حثها على القراءة ... بدأ من اقتراح كتاب أعدته إحدى صديقاتي جمعت فيه الكثير من المقولات والإقتباسات التي تحث على النجاح والتفاؤل مرورا بمزرعة الحيوان وعساكر قوس قزح لكنها لم تقرأ أيا منها ...




**********
ملاحظة: هذه التدوينة كتبتها بتاريخ 9/3/2016

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحنين وأشياء أخرى في رسالة

عن بغلة القبور

الرابط العجيب بين نشر إيران للتشيع، وغسيل إسرائيل الوردي!