حظر النقاب/ الحجاب/ البوركيني





العالم في حالة فوضى تماماً وفي أحيان كثيرة أتساءل "ماذا بعد هذه الفوضى؟" ويأتيني الجواب الوحيد المنطقي من عمق مخيف بداخلي ... "النهاية!"

ألن يكون جنوناً مني أن أفكر بأن عهد من السلام سيحل على أمتي ... لكنني مؤمنة بأنه سيأتي ... سيأتي وإن كنت أرجو أن أحظى بسلامي الخاص قبل أن يأتي ... ثم أرحل ...

العالم الآن يطالبك بأن تنبذ كل ما تؤمن به وأن تتصرف بتحضر يُفَصِله لك حسب رغباته ونزواته المريضة فتصبح حيادياً لا حياد فيك ... ببساطة تصبح مطيعاً ومؤمنناً به وبه فقط ... تطيع أوامره وتجد ما يكفيك من المنطق لتنادي بها ... وأهم من ذلك أن تنبذ ما أنت عليه وما تؤمن به فكل ذلك حواجز تقف في وجه قبول هذا العالم لك ... إنها تقاليد وعادات ... ولك أن تمارس ما يسمح لك به من عبادات ...

النقاب؟؟ لقد خدعت منذ أزل .... منذ أزل طويل وقيل لك أنه عبادة ... لكنه اليوم عادة ... إنه شعار داعش وإخوتها ... إنه تهديد صريح للآمان في هذا العالم ... يمكنه أن يفجر مدن ويقطع رؤوس أمم ... يمكنه أنه يمنعك من الحياة لكنه أيضاً قادر على أن يمنحك الحرية التي تحتاجها لتتسلل وتقتل من تشاء ... لذلك من حق كل أمة أن تحمي نفسها وترفضه ...

لا بأس إن كنت ما تزال تؤمن بخلاف ذلك طالما أنك تعيش في محيطك الخاص بعيداً عن الجميع ... وإن كنت تجد صعوبة في فهم كلامي فهذا ليس ذنبي ... أنا أنقل لك فقط وجهة نظر مجتمعك ... أو ربما بعض منهم ... وهم بالفعل بعض لكنهم قادرين على جعل الكثير يستمعون لهم ويقتنعون بكلامهم ...


********



عندما أصدرت سويسرا قرارها بمنع ارتداء النقاب في عدد من المدن ... تفقدت الوسم النشط آن ذاك على التويتر وهالني ما قرأت ... الكثير كانوا يجدونه قراراً صائباً وأنه من حقها أن تحمي نفسها من هذا الشيء البشع وهذه العادة القديمة ... والغريب في الأمر أن أكثرهم كانوا رجالاً ... يبدو أن الأنثى لم تعد تشكل خطراً عليهم ولكن ما ترتديه يفعل ... ربما هذا يحرمهم من متعة تقيم النساء حسب درجة جمالهن وجاذبيتهن ... وأنا على يقين أنني أخوض في ماء عكرة عندما أطرق هذه الطريق ... فيمكن لأي شخص أن يستخدم هذه الحجة ليبرر للنساء أن يرفضن أرتداء النقاب/ الحجاب أو تغطية أجسادهن ولكن هذا بالضبط ما يتوقعه العالم منا ... يتوقع منا أن نبدأ في النظر في معتقداتنا على أنها وجه آخر لعملة واحدة اسمها الدين ... وأننا بقدر ما نرغب في احترام ديننا علينا أن نحترم أديان ومعتقدات الآخر ... تبدو صفقة عادلة لكنها ليست كذلك ... ليست عندما تعرف أن دينك ليس مجرد دين ... ليس مجرد ثقافة أو ممارسات قبلية ... إنه الحق والطريق الوحيد الذي اختاره لنا خالقنا الله سبحانه وتعالى ... عندما تدرك هذه الحقيقة والتي يجهلها أو يتجاهلها الكثير اليوم عندما يقارنون حظر الحجاب بارتداء الغير مسلمات للحجاب في بلادنا _وإن كنت أراهن يتجولن هنا وهناك بدون حجاب_ أٌقول عندما تدرك هذه الحقيقة ستجد الشجاعة التي تحتاجها للدفاع عن معتقداتك ودينك والغضب لأجله ... 

أمر جنوني أن ترى الأمم الأخرى تدافع وتساعد على إحياء ثقافاتها فيما نجد شبابنا يقوضون ثقافتنا فقط لأنها ارتبطت بديننا الذي لا يعجب بقية العالم ... لا ينبغي لهذا الأمر أن يستمر حتى وإن كنت لا ترى بوجوب ارتداء النقاب لابد وأن تدافع عنه ... لابد وأن تضبط بوصلتك جيداً وتحدد انتمائك ... قبل أن تكون جزء من هذا العالم أنت جزء من هذه الأمة ... انتمائك ينبغي أن يكون دائما لمن خلقك واختار لك أفضل الطرق وليس للعالم الذي خلقه ... ليس للعالم الذي لا ينفك يتمرد على الصواب ويتبع وساوس شياطينه ...   

أنت لست عالم دين لتثبت حجتك وإن كان لديك حجج فتذكر أن رجالاً أعظم منك أفنوا حياتهم في دراسة القرآن والسنة واتخاذهما منهجا في حياتهم وهؤلاء الرجال لم يتوصلوا لفتوى بوجوب الحجاب إلا بعد بحث ومدارسة ومثلهم أولئك الذين أفتوى بوجوب النقاب ... ثم تأتي أنت لتدعي بأنهم لم يقوموا بعملهم بشكل جيد ... هل لي أن أسألك بناء على أي علم توصلت لنتيجتك هذه؟ بناء على كم سنة من الدراسات الإسلامية توصلت إلى أن النقاب عادة؟ الله وحده يعلم ...


الأمر الآن يتكرر مع حظر البوركيني ... تجد من يكرر "إن لم يعجبك الأمر ألزم بيتك" ... إذاً الآن يريدون حشرنا في مكان واحد فيما كنا نبذل دمائنا لمنح العالم حقه في أن يعرف الحقيقة ... يريدون أن يضيقوا علينا أرض الله الواسعة ... أذكر أنني قرأت تغريدات مسيئة جداً عندما حظرت سويسرا النقاب لفتيات يطالبن كل من تجد هذا الحظر مشيناً بالبقاء في قريتها على افتراض أن المنقبات لا يأتين إلى من القرى مباشرة ... وعلى الأرجح من تطالب بشيء عنصري كهذا تتوقع أن فتيات القرى متخلفات وجاهلات ... لا أريد أن أتباهى لكني حاصلة على درجة ماجستير في الترجمة بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف الأولى وأنا قادمة من قرية بل إنني مازلت أعيش فيها ... وأعرف بضع فتيات على مستوى عالي من التعليم وهن منقبات ومن نفس قريتي ... ابنة خالتي من نفس القرية تدرس الطب وتقضي الآن آخر أشهر لها كطالبة إمتياز ... ومنقبة! ... تقضي يومها في المستشف بنقابها وعندما تسافر للخارج تسافر وهي ترتدي نقابها ... لا أظن أن خلفيتنا تدعو للخجل وإن كان ينبغي أن يلازم أحدهم بيته فقد بتنا الآن نعرف من يكون ... الجهل عدو الإنسان الأول وكم من قامة خرجت مباشرة من قرية وشرفتنا أمام العالم ... ربما هي لا تفهم بلغة الشهادات ربما أحتاج لأن أدعوها لتحضر إحدى حفلات الزواج في قريتي ... ربما ستعلمها أشكال الفتيات شيء أو إثنين عن العولمة ... وعن كيف أصبح العالم قرية صغيرة هو الآخر ... عن كيف أصبح الجميع يضع المكياج وكأنه (make up artist) والجميع يتصرف وكأنهم (fashionista) الجميع يتبع الموضة ولا أحد يشبه خيالاتها العتيقة عنا وإن كن يشبهن بعضهن بعضاً وهذا يا أعزائي واحد من الأعراض الجانبية للعولمة ... أن نصبح متشابهين حتى ينتهي بنا الأمر كتلة مقرفة واحدة ... وحش كبير بعيون كثيرة وأسياد أكثر يتقاتلون فيما بينهم على من يحكم العالم ومن يغرق في خيراته ... 

بالعودة إلى البوركيني ... شاهدت فيديو ليوتيوبية مسلمة كانت تتميز غيضاً من أمر هذا الحظر ... أذكر أنها ألقت الضوء على نقطة مهمة وهي أنه يستحال أن يسمح أي متطرف لعائلته بارتداء البوركيني فكيف يحظر بوصفه رمزاً للمتطرفين وداعش ... الأمر المضحك المبكي أنني قرأت تغريدة قبل أن أكتب هذه التدوينة تقر حقيقة أغفلنا عنها جميعاً وهي أنه يحرم علينا كمسلمين ارتياد أماكن كهذه ... صاحب التغريدة تساءل كيف نثور من أجل حظر البوركيني فيما يحرم أصلا ارتياد مثل هذا المكان ... الشاطئ ليس مشكلة لكن ما تعرض نفسك له بذهابك لشاطئ يكتظ بالعراة هو المشكلة ... قد يبدو هذا متطرف جدا بالنسبة لليوتيوبية سالفة الذكر لكن هذه هي الحياة ... حفنة كبيرة من الاختبارات والاستمتاع بالشاطئ في الصيف في هكذا بلد ليس إلا اختبار ... ففي النهاية هذه ليست إلا حياة دنيا ... هذه اليوتيوبية ترى أن المتطرفين يعتبرون إصبع المرأة مثيرة جداً في إشارة منها إلى أنهم يفرضون تغطية اليد .. وها نحن نعود إلى نفس النقطة ... كلنا مسلمون لكننا لا نتوقف عن لمز معتقدات بعضنا بعض ... أنا أغطي يدي وقدمي وكل جزء يمكنني تغطيته ولست متطرفة أو داعشية بأي حال من الأحوال ولا أظن أن أي من أصابعي مثيرة جداً ولا أرتدي حجابي لهذا السبب على الإطلاق وإن كنت أؤمن بأن كل عضو من أعضاء البشر فاتن ومثير بطريقة ما ... وأنا لا أمزح عندما أقول أنني وجدت مرة صف من الأسنان المتحاشرة فاتناً بطريقة ما ... اللحظة التي انتبهت فيها على هذه الأسنان غيرتُ نظرتي تماما لصاحبها وانتقلت من بغضه للإقرار بظرافته ... وأنا على يقين أن هناك الملاين يمكنهم أن يجدوا يد أحدهم مثيرة جداً بغض النظر عن شكلها أو لونها... هناك أيضا أشخاص مهووسون بالأقدام ودعنا لا نتحدث عن هذا الأمر ... الخلاصة أننا لا نلتزم بالحجاب الشرعي لأننا نعتقد بأننا مثيرات وفاتنات ... نحن نقوم فقط بما نؤمن به فيما نحاول أن نحقق ذواتنا في هذا العالم الذي لا يتوقف عن الحكم على المظاهر وتشتيت تركيزنا بالجنس الآخر ... وكأن العالم سينتهي إذا لم يمتدحك رجل أو يشيد بجمالك ... وكأنك ستذبلين حرفياً إذا لم تتباهي بقوامك وحسك في تتبع الموضة ... 

النقاب والحجاب وحتى البوركيني تحظر هنا وهناك بفرض أنها ترمز للمتطرفين وداعش والحقيقة أننا نحن المسلمون من يمثلنا الحجاب والنقاب ... داعش فقط تقلدنا وتحاول أن تتظاهر بأنها نحن ... وحظرهما يعني حظرنا نحن المسلمون لا داعش ولا غيرها ... لا شك أن المملكة تعرضت للخيانة من قبل أشخاص استغلوا هذا النقاب وقتلوا أبناءنا لكننا لا نعيش هذه القصة كل يوم .. قد يجد بعض من يؤمنون بضرورة منع النقاب هذه الحقيقة مزعجة ... لكنها تبقى الحقيقة ... قد نكون أكبر دولة يعيش بها المنقبات ومع ذلك نحن نعيش في آمان ولم نحتج لحظره ... وعندما نسمع بحادث إرهابي فإن مرتكبة يكون رجل ... رجل لم يتوانى عن إظهار وجهه لضحاياه وربما الجلوس معهم وتناول الطعام ... مع كل هذا العدد من المنقبات نحن نمارس حياتنا مثل أي شعب آخر ... نحن لسنا داعش ولسنا أيضا سويسرا أو فرنسا ... وحظر النقاب ليس إلا مؤامرة نتنة نشم رائحتها جميعاً ولا نقوى على دفنها ...

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحنين وأشياء أخرى في رسالة

عن بغلة القبور

الرابط العجيب بين نشر إيران للتشيع، وغسيل إسرائيل الوردي!