الأربعاء: سعي للأصالة.


يبدو أن هذه الخمسة أيام من بناء العادات الإبداعية أطول خمسة أيامٍ يمكن لشخص أن يبني فيها شيئاً ... وهذا الأربعاء لا يأتي متأخراً وحسب بل ومميزاً أيضاً فهو هديتي لأخواتي وبنات خالتي ... هدية عيد غريبة ... وكل عام وأنتم دائماً على الوقت ؛) وبخير :)
الرابط كالعادة :


http://www.takweeen.com/?p=5458


 وبالمناسبة يبدو إنني فزت بالمركز الثاني عن مسابقة مهرجان همسة الدولي ... ولكن ... ولأنني لن أتمكن من حضور المهرجان فسيتم حجب الجائزة عني ... وعلى كل حال كانت تجربة فريدة :)


http://goo.gl/NGxO1B


لا أزعم أنا القصة أدناة تنضح أصالة وابتكار، ولم أعمد لأسلوب جديد فيها، لكنني بذلت جهدي في جمع شتات  من خيالي مع بعض من عدة قصص أعتقد بواقعيتها وأخرى شخصية .. لست متأكدة كيف أشعر حيال هذه القصة فقد خُلقت أجزاء منها بداخلي على فترات متباعدة حتى قدر الله لي جمعها اليوم، أردت أن تكون ـولا تضحكوا عليـ هدية عيد لأخواتي وقريباتي، لا وقت لصنع هدايا عينية لكن هناك دائماً وقت لصنع قصة ... هناك دائما مكونات متوافرة وفرن ساخنة لخبز واحدة أتمنى أن تكون جيدة ككعكة عيد مميزة ... وأتمنى حقاً حقاً أن تخيفكم ولو قليييييييلاً خاصة أنتي عزيزتي مريم 







مزحة

كنت عائد أنا وصديقي بعد منتصف الليل من المدينة في طريقنا للقرية, وكعادتي سلكت طريقاً مختصراً يمر بمكب للنفايات, ترتع قرود الرباح فيه صباحاً وتعربد الكلاب فيه ليلاً. كانت الليلة تتلحف بالغيوم الكثيفة ثم بدأت حبات المطر الكبيرة تتساقط, لم يكن المطر غزيراً لكنه كان كفيلاً بتغطية الزجاج الأمامي للسيارة, وبسبب الرياح القوية كانت حبات المطر الكبيرة تنزلق بسرعة من على الزجاج فلم أجد  داعياً لاستخدام المساحات الأمامية. كان معظم الطريق يفتقر للإنارة بسبب من كونه فرعي ولا يمر بقرى أو تجمعات سكانية, حتى أنهم للتو عبدوه وبشكل سيء فلم يخلو من المطبات والحفر البغيضة, وكنا قد اقتربنا من مكب النفايات فأغلقت النوافذ حتى لا تدخل رائحة المكب النتنة وتعلق بنا, ثم تذكرت موقفاً طريفاً صار لنا هذا الصباح, ذكَرتُ صديقي به وغرقنا في الضحك حتى امتلأت أعيننا بالدموع, وفي غمرة الضحك صدمت شيء ما, وقد كنا قد بلغنا المكب, خشيت كثيراً من أن تكون سيارتي تضررت بأيٍ كان ما صدمته, توقفت بسرعة وترجلنا, تفقدنا السيارة وكانت سليمة لم تصب حتى بخدش, والغريب في الأمر أننا لم نعرف بماذا اصطدمنا, لم يكن هناك أي أثر لذلك الشيء, أخذنا نفكر بصوت عالي إنه ربما كان كلب ولعله هرب بسرعة, أو ربما قطعة أثاث بالي ولعلها هي الأخرى هربت بسرعة, ولأن سيارتي لم تتضرر لم أجد بداً من ألقاء مزحة بشأن ما صدمناه لكن صديقي لم يضحك كما يفعل دائماً, ما أن ألقيت المزحة حتى أضاء البرق ورأيت وجهه شاحبا جداً, لم يعلق وظل متسمراً في مكانه, ظننت أنه ربما رأى شيئاً خلفي, ألتفت ولم أجد شيئا فأشرت له بركوب السيارة وقلت له: " بموت من الريحة ... مشينا يا رجال ". شعرت بأن الشخص الذي ركب معي ليس نفسه صديقي الذي جاء معي من المدينة, لقد كان واجماً, ساكناً وهادئاً, ومهما حاولت إضحاكه أو فتح أي موضوع معه لا أجد تجاوباً منه. كان ينظر كثيراً إلى المرآة الأمامية, كل بضعة ثواني يرفع بصره نحوها وكأنه يتأكد أن أحداً لا يتبعنا أو يحتل مقعدنا الخلفي, فبدأت أفعل الشيء نفسه تلقائياً ولم أخرج بنتيجة.

أوصلته إلى منزله, فتح باب السيارة وأنزل رجله, توقف قليلاً وهو يقبض على مقبض الباب ثم ألتفت نحوي وقال: " استودعتك الله يا هادي! ... استودعتك الله! "

قالها بشكل درامي لم أعرف أيجدر بي الخوف أم الضحك على وجهه وجديته اللذان لم اعهدهما. أكملت القيادة باتجاه البيت ـ والذي لم يكن بعيداً ـ وأنا أفكر فيه وفي ما حدث لنا عند المكب, وعلى جانب الطريق انتبهت لرجل يقف ويأشر لي, إلى يومنا هذا لا أعرف لأي شيء توقفت له, لا أعرف حتى كيف توقفت, وكأن الوقت الذي استغرقته للتفكير في التوقف وذاك الذي احتجته للتخفيف من سرعتي والتوقف قد محيا تماماً من ذاكرتي, لا أذكر إلا وهو يفتح باب السيارة ويجلس مكان صديقي ويقول لي: " لا هنت خذني لأقرب محطة .. كنت راكب مع واحد ودقوا عليه أهله شكله صاير لهم شي ... وقفني وقال لي المحطة ماهي بعيدة ... مشيت لكن مثل مانت شايف المطر بدا يكثر ... إلا المحطة بعيدة؟ " كان قد أغلق الباب وأستوى في كرسيه وهو يتحدث, بل إنه حتى ربط حزام الأمان, وأنا أدركت من اللحظة الأولى أنني وقعت في مصيبة, كانت تفوح منة رائحة كانت مزيجاً من رائحة مكب النفايات ورائحة دخان قوية, لم أكن متأكداً إذا ما كان يضع طلاء من نوع ما على وجهه فقد كانت رقبته شديدة السواد ووجهه شديد البياض, ولم أتبين ملامحه فقد بدا لي وجهه وكأنه يذوب, قميصه كانت غريبة جداً لم أرى مثلها من قبل, كنت عبارة عن رقع ملونة خيطت معاً ويخرج من فتحاتها ريش, لم أطل النظر فيه, لم أقوى على فعل ذلك, كان مخيفاً جداً ورائحته نتنة للغاية, رفع صوته وسألني مجدداً: " المحطة قريبة؟ " هززت رأسي بالإيجاب وقد كانت فعلاً قريبة, تفصلها عنا مسافة خمسة دقائق تقريباً.

حاولت أن أسترق النظر له ولمحت يده اليسرى, كانت ... محروقة, أٌقصد بدا لي جلدها متفسخاً وكانت محمرة, وكأنها تعرضت للحرق, رفعت نظري بسرعة حيث شعرت بأنه يراقبني, وأنا أفكر بأنني أوقعت نفسي في مصيبة, كنت أسمع عن أشخاص أوقفوا سياراتهم لرجال على حافة الطريق ظنوا أنهم بشر مثلهم ليكتشفوا أنهم التقطوا ... جناً ... كانت الفكرة مخيفة فأخذت أقرأ المعوذات في سري وهو بدأ يغني أغنية قديمة, ثم مد يده للمذياع وفتحه, وأكاد أقسم أن شعر رأسي وقف كله في تلك اللحظة, ولعل روحي كانت ستخرج مني, لقد صدح المذياع أول ما فتحه بالأغنية القديمة نفسها, الأغنية التي لم أسمعها لا أنا ولا غيري منذ عصور, ولم يبد هو أي ردة فعل وكأنه توقع أن يسمع أغنيته على المذياع. كنت بالكاد أزدرد لعابي, وكأنه كور متحجرة من شدة خوفي وهول الموقف عندما صرخ بي: " وقف! وقف ... وقف! " توقفت حالما سمح لي جسدي المتصلب من الخوف, قال لي: " لحظة وأنا خوك ... بنزل شوي بس بشوف البيت الطين ذا وارجع " وأشار بيده لبيت قديم مبني من الطين, كان عبارة عن غرفتين تقريبا وما يشبه الحمام, صغير جداً ومهجور, سكنه وافد هندي لبضعة أسابيع قبل عدة أعوام ولم يدخله بعدها أحد, لا أذكر بالضبط ماذا كان يعمل هذا الوافد لكني أذكر أنني كنت أسمع أنه ساحر. نزل الرجل الغريب في الظلام, وذهب يتفقد المنزل في المطر والظلمة, وأقسم بالله أنني حاولت أن أحرك السيارة لكني لم أقوى وكأن شيء يمنعني من الهرب منه, لم يمض وقت طويل حتى عاد, دخل السيارة ثم قال: " بكره إن شاء الله بجيب العيال هنا " وفور أن ركب السيارة تحركنا وكأن ما كان يمنعني من الحركة سمح لي فجأة.

لم أفهم أي " عيال " يقصد لكنني متأكد بأنه لن يسرني التعرف إليهم. تأوه من شيء ما ثم أنحنى يحك قدمه, واختلست أنا النظر وليتني لم أفعل, لمحت مخالب تشبه مخالب الدجاج تخرج من أقدامه بل لعلها كنت أقدامه نفسها أقدام دجاج, وساقه كانت غليظة جداً ثم تأخذ في النحف حتى تصل للمخلب, كانت مخططة وغريبة جداً. توقف فجأة عن الحك وألتفت إلي وهو مازال منحني, نظر إلي بعيون سوداء ذائبة شأنها شأن بقية ملامحه, ثم قال لي: " دودة .." وأنفجر ضاحكاً, وبسرعة توقف عن الضحك, ثم سألني: " أنت وين بيتك؟ عساني ما كلفتك مشوار؟ " كان حلقي قد جف تمام من الثواني القليل الماضية, لم أكن قادراً على النطق بكلمة واحدة وقلبي كان يدق بأسرع مما فعل طوال حياته من أثر ضحكة الرجل المفاجئة, فاكتفيت بأن أشرت بأصبعي لمنزلي حيث مررنا للتو من أمامه, ألتفت باتجاه المنزل وظل يحدق به حتى انعطفنا ثم قال: " هذاك بيتك! زين ... زين ... المحطة بعيدة؟ " رددت عليه بعد أن ترطب حلقي قليلاً: " لا ... باقي شوي " سألني: " كم يعني؟ " أخبرته بأنها أمامنا مباشرة فقال لي: " أجل وقف وقف ... أتعبتك معي ... وقف وقف " لم أصر على إيصاله وأوقفت السيارة فوراً. نزل من السيارة وفتح الباب الخلفي, أخذ شيئاً من على المقعد وأغلق الباب, ذهلت من تصرفه فأنا لا أذكر أنني رأيته يضع شيئاً في الخلف, ثم طرق على نافذة المقعد الأمامي, أنزلت النافذة فمد يده ليصافحني, شعرت بأن تلك اللحظة التي مددت يدي لأصافحه فيها أصعب وأبطأ لحظة في حياتي, أصبحت يدي ثقيلة جداً وبطيئة وكأنني أمدها لأصافح بها موتي. صافحته أخيراً ولم ألمس في حياتي شيئاً أكثر لزوجة وقرفاً من يده, شكرني ثم أفلت يدي, تركها لزجة وعفنة, رائحتها تشبه رائحته وأصابعي ملتصقة ببعضها بعض يغطيها لون أبيض مقرف, مسحتها بسرعة في طرف المقعد وحركت السيارة بسرعة ألتفت إليه وكان ما يزال واقفاً في مكانه, ابتعدت قليلاً وألتفت مجدداً وكان قد أختفى.

انعطفت متجها للمنزل خائف ومشوش, وكدت مجدداً أن أصطدم حيواناً كبيراً كان يقطع الشارع بسرعة على أقدامه الخلفية, أختفى بين صخور الجبل عن يميني, ففكرت أننا في منطقة جبلية وعادة في مواسم الجفاف تنزل القرود من الجبال لتبحث عن الطعام في القرى, ورغم أنه الآن موسم المطر وعادة القرود لا تقطع الشارع على قوائمها الخلفية إلا أنني استأنست بإقناع نفسي بأنه قرد. وصلت للمنزل وقبل أن أنزل من السيارة, تفقدت المقعد الذي مسحت يدي به, كان ما يزال رطباً ولزجا, حاولت تنظيفه بالمناديل, وبينما كنت أنظفه سمعت صوتاً ينادي علي من الخلف خارج السيارة, ألتفت إلى الخلف حيث يقف برميل النفايات الكبير والذي سقط فجأة, ورغم أنني لم ألمح شيئا يخرج منه, فكرت أنه قد يكون قط كان يختبأ بداخله, ربما قط سمين بما فيه الكفاية ليسقط البرميل, ولعله كان صوته وظننت أن أحدهم ينادي علي. خرجت من السيارة بعد أن عجزت عن إزالة اللون الأبيض من المقعد, ودخلت إلى فناء المنزل الخارجي, شدني شيء لباب الفناء البعيد, حيث كان للفناء الخارجي بابين, الرئيسي والذي دخلت منه, وآخر أصغر منه يقابله في الطرف الآخر لسور الفناء. كان شيئاً أسوداً طويلاً يتدلى من فوق السور, اقتربت بما يكفي لأدرك أنه ثعبان أسود لن يقتله إلا بندقية أبي, دخلت للمنزل بسرعة والتقطت البندقية والتي كانت قريبة, وقبل أن أخرج أدركت أن طلقة واحدة منها ستوقظ أبي النائم, ففكرت أنني ربما سأتمكن من دق رأسه بكعبها أو ربما سأحاول أن أقرأ عليه المعوذات وأسأله بلطف أن يرحل, أو على الأقل أعرف بضبط أين سيتجه وأبلغ أهلي غداً. خرجت ولم أجد له أثراً, بحثت عنه لوقت طويل رغم إعيائي واضطرابي لأثر ما مررت به قبل أن أصل للمنزل, وعبثاً حاولت إيجاده, وكأنه لم يكن موجود, وكأنه كان فقط داخل رأسي, رأسي الذي كان يحتاج الوسادة بشدة, فدخلت إلى المنزل أخيراً وأخذت حماما لأتخلص من رائحة ذاك الرجل الغريب العفنة, لقد شعرت بأنها تغلغلت داخل كل خلايا جسدي ولم أكن لأنام قبل أن أستحم.

وأنا أستحم تحت الماء الدافئ شعرت وكأن أحدهم يقف خلفي تماماً, ورأيت شعر ذراعي الدافئة يقف, ألتفت بسرعة ولم يكن هناك أحد بطبيعة الحال, لم أتجاوز الشعور هذا بعد حتى شعرت بأحدهم يقبض على ساقي ثم يفلتها بسرعة, رفعتها ودرت على نفسي أبحث عن المتلصص الخفي, ومجدداً لا أحد. كان الصابون يغطي جسمي وفكرة الهرب من الحمام تبدو طفولية, ثم أنني مررت بليلة طويلة كما بدت لي ولا بد أنني كنت متعباً ومشوشاَ جداً, وهكذا أكملت استحمامي وأنا مازلت أشعر بأن أحدهم خلفي مباشرة, وأجبرت نفسي على تجاهل خيط التراب الرفيع والذي كان ينسل مع الماء متجهاً نحو البالوعة رغم أنني متأكد بأنني لا أنا ولا حمامي النظيف مسبقاً كنا مصدره. شطفت الصابون عن جسدي وقبل أن ألتقط منشفتي شعرت بشيء غريب يتدلى على ظهري, مددت يدي أتحسس ظهري والتقطته, لقد كان كومة من الشعر الأجعد, لم أدري كيف وصل إلى ظهري وأنا للتو أنهيت استحمامي, لكني فكرت أنه قد يعود لأختي, فسحبت شعرة منه, سحبت وسحبت وسحبت, حتى أيقنت أنه لا ينتمي لأي من أفراد عائلتي, هذا الشعر الأجعد الطويل تسلل بطريقة ما إلى ظهري.
لم أستطع أن أنام في غرفتي, فقد شعرت بالضيق الشديد لسبب ما, وشعرت برغبة في الصحبة فتوجهت لغرفة المعيشة, استلقيت على الأريكة أمام التلفاز وعندما شعرت بالنوم يتسلل إلي كتمت صوته, ونمت, لا أعلم لكم من الوقت نمت لكني صحوت على أحدهم يصرخ علي, فتحت عيني فإذا بامرأتين قصيرتين تقفان أمامي, بملابس غريبة وأشكال مخيفة وشعور منفوشة. بدتا لي وكأنهما تطلبان مني مغادرة الغرفة, كنت غارقاً في نوم وظننت أنها أضغاث أحلام, ولا إراديا نهضت وتوجهت لغرفتي, وضعت رأسي على الوسادة وأكملت نومي وكأن شيئا لم يكن.  

 صحوت مجدداً لكن هذه المرة على صوت يهمس بطلاسم في أذني ... لقد كانت الوسادة, قمت مذعوراً هذه المرة, تعوذت من الشيطان الرجيم ونفثت عن شمالي ثلاثاً, كان الصوت واضحاً جداً رغم أنني لم أفهم ما قاله, لست متأكداً إذا ما كنت أحلم, لكنه بدا أكثر واقعية من النساء القصيرات. حاولت العودة للنوم وتقلبت كثيراً في سريري ورغماً عني راجعت كل أحداث تلك الليلة محاولاً أن أنسى الصوت الذي سمعته من الوسادة, محاولاً أقناع نفسي أنها كانت أضغاث أحلام, وتذكرت مزحتي مع صديقي في مكب النفايات, تذكرت بالضبط ماذا كانت المزحة, في الواقع لم تكن سوى كلمة واحدة, قلتها له في محاولة مني للاستظراف بعد أن فشلنا في معرفة الشيء الذي صدمته: " جنَي ".

تذكرت الرجل الدجاجة, القرد, الثعبان, كومة الشعر, النساء القصيرات, وهذا الصوت المخيف, ولم أدري أيها حقيقة وأيها كان خيالاً, لكن شيئاً ما بداخلي جعلني أدرك أن صديقي لم يكن الغريب بيننا بل هو أنا, لقد ركبت تلك السيارة شخصاً مختلف, ولا أدري كيف سأعود ... بكيت ... وبكيت كما لم أفعل من قبل.
نمت أخيراً قبيل الفجر بنصف ساعة واستيقظت متأخراً, وأول فكرة طرأت في رأسي " وش ذا السخافة " نعم لقد انتقدت نفسي على كل تلك الدموع والأوهام والأفكار الغبية, فليلة البارحة  لم تكن المرة الأولى التي أصادف فيها أحداث غريبة, وأخذت أذكر نفسي وأنا أتوضأ بكل المرات التي شاهدت فيها أشياء غريبة, بكل الليالي التي كنت أذاكر فيها ولمحت شيئاً غريباً أو أثنين من تحت الباب, وفي الصلاة ـ وأستغفر الله ـ تذكرت كل القصص التي رواها لي أقاربي عن مشاهداتهم للجن, وهاهم بخير, وطمأنت نفسي, أنا بخير! نعم لقد أقللت جنياً معي البارحة! وإن يكن؟ لقد ذهب في سبيله وأنا في سبيلي, نعم يعرف عنواني! لكني أفترض أن كل الجن قادرين على معرفة عنواني, ربما هناك كتاب أصفر أو أحمر ـ من يدري ـ يحتوي على عناوين كل البشر يحتفظ به كل جني في منزله, من يدري؟

خرجت من غرفتي ووجدت أمي تجلس في الصالة وهي تمسك بهاتفها الجوال, سلمت عليها وبعد أن سألتني متى عدت وإذا ما كنت أريد أن آكل, أخبرتني بخبر قرأته في صحيفتها الإلكترونية المفضلة على هاتفها الجوال: " شفت المهرجان الي مسوينه قريب من هنا ... يقولون أمس كانوا مسوين مسرحية وعروض للصغار .. وقدر الله وشبت حريقة .. يقولون ماتوا طفلين وفيه أصابات كثير .. شوف "
أخذت هاتفها وأنا أحوقل, قرأت الخبر المدعم بالصور, صور كثيرة صادف أن رأيت في بعضها رجلاً يرتدي زياً تنكرياً على هيئة كلب أو لعله ثعلب, وآخر أسمر البشرة يرتدي قميصاً مرقعاً يخرج منه الريش ويرتدي جوارب مخططة وأقدام تشبه أقدام الدجاج, بيد محترقة ووجه مصبوغ بالأبيض والأسود, ولا أعرف ما الرابط بين الزي وأصباغ الوجه العشوائية, المهم ... أنه لم يكن جنًي.

أخذت أتأمل الصور لأُطمئن نفسي أكثر بأن رفيقي البارحة ليس سوى ممثل فض, ذكر في المقال أنه أيضاً مصور فوتوغرافي معروف عنه تصوير معالم المنطقة الأثرية ولعل هذا ما شده لمنزل الساحر, وربما " العيال " هم زملائه, وأنا أتأمل الصور سألتني أمي: " هادي ليش عيونك حمر؟ "

لم تعطني فرصة لأرد وأردفت: " اليوم الفجر أبوك يقول راح بيصحيك للفجر وسمع صوت حد يسولف عندك ... يقول دخل عليك لقاك نايم.. أنت كنت تكلم أحد بالجوال " رددت عليها: " يمكن كنت أسولف وأنا نايم ... أمس نمت وأنا تعبان ومصدع "

فقالت لي: " أنا بعد قلت لابوك كذا ... بس يقول لا ... و حلف لي أنه سمع ناس يسولفون عندك وأصواتهم كانت عالية بس يقول ما فهم ولا كلمة من اللي يقولونه ... ويقول كان فيه ريحة شينة تطلع من غرفتك ... لا تكون ياولدي نسيت اللاب توب شغال ونمت؟ "
أو ربما يا أمي لم تكن مزحة ...

أ. هـ


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحنين وأشياء أخرى في رسالة

عن بغلة القبور

الرابط العجيب بين نشر إيران للتشيع، وغسيل إسرائيل الوردي!