بوب ومزرعة الحيوان



قبل شهرين تقريباً فزت بمسابقةtellusastory # لـ #مشروع_قلم على #writerscafe عن قصتي #صوت_فائت. كانت قصتي الفائزة تندرج تحت هذا التصنيف  "Orwell that ends well " 
   
بالنسبة للكاتب جورج أورويل في ذلك الوقت لم أكن قد تعرفت عليه حقاً, إلا أنه مع بداية الفصل الدراسي الماضي ابتاع لي أبي _ خطأً كما أظن _ مع كتبي الدراسية وعلى غير عادته  _حيث أنه لا يحب القراءة _ رواية باللغة الإنجليزية كانت " مزرعة الحيوان ", لم أقرأها إلا قريباً من وقت مشاركتي وفوزي بالمسابقة ولم أكن قد أنهيتها. فزت بالمسابقة ولم أربط وقتها بين اسم الكاتب والمسابقة حتى صادفت صورته مع اقتباس له وأنا اتسكع في الانستقرام, ثم ربطت بين الكاتب وصاحب الصورة وأخيراً التصنيف, وأستغفر الله من غبائي وقلة انتباهي.






الآن يمكنني أن أفهم لماذا فازت قصتي بذاك التصنيف, وقد لا يظهر السبب جلياً فيها هي بالذات, لكني ألمسه كثيراً في قصصي ونهاياتها الأورولية, على كل حال سأتحدث عن رواية "مزرعة الحيوان" في هذه التدوينة لكن قبلها أحب أن أمر سريعاً على رواية "بوب موب عمي" لوليد الشعلان والتي قرأتها بعد " مزرعة الحيوان" لأغسل طعم المرارة التي خلفتها في أحشائي.

أنا لم أقتني رواية " بوب موب عمي"  بنفسي بل كانت هدية من أختي التي تصغرني لأكبر أخواتي, ثم انتهى المطاف بالرواية لمكتبتي, وبطريقة ما أجبرت على قراءتها مجاملة لأختي الكبيرة, وسبب حديثي عنها ليس أنني أحببتها لكن لإخراجها المذهل, بداية من غلافها الأنيق.



مروراً بصفحاتها السوداء اللامعة السميكة, لسماكتها يبدو الكتاب مكتنزاً جداً, لكنك تجد الورقات بخيلة المضمون من الكلمات. كنت أفرغ من الصفحة بسرعة أثناء قراءتي للرواية وذلك لقلة الأسطر والكلمات في الصفحة الواحدة, فكنت أقلب الورقات بسرعة جعلت أختي الجالسة معي في الغرفة تستغرب سرعتي الغير معهودة وتتضايق من صوت تقليب الصفحات المتتابع, وعذرتني بعد أن وضحت لها حقيقة سرعتي الخادعة.

السطور نفسها كانت ملونة ربما لجذب انتباهنا وتركيزنا على مشاعر البطل وأفكاره, لكن الألوان كانت مبتذلة في رأيي.



الكتاب أحتوى على الكثير من الصور بجودة عالية وألوان زاهية, جعلتني أغار جداً من الكتاب نيابة عن كتاب عبد الله الجمعة " مذكرات سعودي في أوربا" حيث شعرت أن الأخير يستحق هذه الألوان والدقة, في حين أن الأول كان يستخدمها ليغيضنا لا لشيء آخر, فالرواية من وجهة نظري لم تكن تحتمل كل هذه الإشارات المرجعية والهوامش والصور والمعلومات التاريخية, ليس عندما تكون القصة وكأنها مقتطعة من مسلسل خليجي مبتذل وليغفر لي الله أنني قررت يوما أن أذكر محاسن الكتب التي قرأتها.



الكاتب أضاف ميزة جديدة لكتابه الباذخ, لقد ذيل بدايات الفصول وبعض الصفحات بـ QR Code تأخذك لمقاطع صوتية وأحيانا مقاطع من مسرحية, لأكون صادقة لم أمسح كل هذه الأكواد واكتفيت بالإطلاع على القليل منها من باب الفضول.


أما عن القصة فكما ذكرت كانت بسيطة وتبدو كواحدة من المسلسلات الخليجية التي تركز جل اهتمامها على الحب بفرض أنه All we need , لم أحبب البطل خالد, ولو أنه قدر لي أن أقابل شخص مثله لكرهته واعتبرته ثقيل دم, وربما شعرت بالإهانة معه طوال الوقت, فلنقل أنه كان شاباً ساخراً ناقداً سعودياً تقليدياً, ومعاذ الله أن أكون أسخر من شباب بلدي لكني لا أظن أن أثنان قد يختلفان على أن من أهم ميزات شبابنا أنهم ناقدون بالفطرة, ولعل هذا أكثر ما يخيفني منهم.

لم أفهم جوزاء حقاً, ولا أظنني أفهم أي فتاة قد تضع نفسها في نفس موقفها, جوزاء الفتاة السعودية الفاتنة والتي خطفت قلب خالد, كانت مخطوبة, لكنها ضربت بذلك عرض الحائط لأنها لم تكن راضية عن خطيبها ومغصوبة عليه, فسمحت لنفسها بمغازلة خالد والخروج معه والاعتراف له بحبها, عوضاً عن التركيز على التخلص من خطيبها, لا هذا لن يكون منطقياً, كيف يمكن لها أن تركز على إصلاح حالها وتجنب تعقيد حياتها وأمورها, لذلك قفزت بنفسها لصدر خالد لعبت قليلاُ ثم مثلت أنها مخدوعة, ومثل هو أنه مجروح بجرح لن يطيب خلفه حب دام شهر أو أقل أو ربما أكثر لا أذكر جيداً لكنه كان حب قصير الأجل, الوقت بين تاريخ إنتاجه وتاريخ انتهائه يجعلك تعيد نظرتك لرجولة السيد خالد وقلبه الذي صنع في الهند.

بطبيعة الحال انتهت الرواية بانفصال العاشقين, ومضي أحدهما بينما علق الآخر في رغم عنه في أذيال هذا الحب, لا يهم حقاً كيف كانت النهاية, لكني لا أعتقد أنها كانت لتكون مرضية بأي حال من الأحوال, روايات كهذه لم تخلق لها نهايات مثيرة.
, , , , ,

نأتي لمزرعة الحيوان, بطريقة ما تمكنت هذه الرواية كل مرة أفتحها من امتصاص الروح مني, طوال الوقت كنت قلقة على هذه الحيوانات المسكينة المخدوعة والتي انتزعت منها ثورتها, وفي كل صفحة كنت موقنة أن عزيزي جورج كاهن, عراف أو أيا يكن, لأنه تمكن من التنبؤ بمزرعة الحيوان التي نعيش فيها نحن العرب اليوم, إنه يصف حالنا بدقة.


الرواية تتناول قصة مجموعة من الحيوانات قررت الانقلاب على مالكها ومن ثم على البشرية كلها, ونجحت في الانقلاب على مالكها, لكنها ما كادت تفعل حتى وجدت نفسها في قبضة أخرى كاذبة ومخادعة ولها أجندتها الخاصة, كانت الخنازير.

في البداية كانت أحلام الحيوانات الثائرة واضحة وهدف ثورتهم كذلك, كتبوا قوانينهم ورتبوا أمورهم, حتى تجرأ أحد الخنازير على الطموح والتفكير بمصلحة الجميع, فبدأ بتثقيف نفسه وتوسيع مداركه ورسم خطط مستقبلية ستعود حتماً على الثوار بالخيرات والمزيد من الثورات والثروات, ولأن الشر الذي يعيش بيننا كان حاضراً في الرواية قرر رأس الخنازير سرقة هذه الخطة وتطويعها لمصالحه هو وبني جنسه الخاصة, وهنا بدأت خيانة الثورة تكبر, وحدث الانقلاب الذي يمكن لك أن تشمه اليوم مع رائحة دماء إخوتنا التي كلما تناسيناها سكبت مجددا لتذكرنا بالمزرعة التي نعيش فيها.

ولا يمكن لأي انقلاب أن يحدث بدون "راجح" راجح هذا كان الخنزير الذي فكر ودرس وخطط لمصلحة الجميع ثم اُنقلب عليه, الخنزير هذا يشبه كثيراً راجح من مسرحية بياع الخواتم, كلاهما استخدما لنفس الغرض, لتخويف البقية ولصق كل الشرور والجرائم به, بل وحتى اراقة الدماء للتخلص منه وإنقاذ العالم من شروره التي لم يرتكبها يوماً, راجح يستخدم غالباً لتشتيت الأنظار عما يحاك في الخفاء, لشغل عقول الحيوانات والناس على حد سواء مما هو أعظم وأشد خطراً, إنه منوم مصنوع بدقة.

بدأ قائد الخنازير ورأس الانقلاب بإرسال جيشه وجنوده الكلاب على الثوار لقتلهم بحجة الخيانة والتواطؤ مع بائع الخواتم راجح الخنزير الذي طرد وسرق حلمه, ولأن الحيوانات المسكينة كانت جائعة مشوشة ومتعبة وخائفة, نسيت لماذا ثارت من البداية ونسيت القوانين التي حفظتها يوماً وكررتها, ورضيت بالقليل الذي تحصل عليه حتى بدأت تؤمن أن حياتها الشاقة بعد الثورة أفضل بكثير من حياتها سابقاً تحت حكم الدكتاتور البشري, وأصبحت تعيش بأرواح مسحوقة وأحلام مهجورة, ولو تمعنت جيداً في وجوهنا نحن أصحاب الربيع المسروق لوجدت نفس الضيم وعلى عكس حيوانات المزرعة فإن أرواحنا تتوق للهجرة.

يوماً بعد يوم أصبحت الثورة ماضياً وحلم تحرير كل الحيوانات ضرباً من الجنون في الوقت الذي تؤتي فيه الثورة ثمارها كلها للخنازير ووحدهم الخنازير ينالون الثمار, المزيد في صحونهم وفي بطونهم, والجوع والقهر والمرض والخوف للثوار المساكين ولذاكراتهم المعطوبة, لذاكراتهم التي تغزى كل ليلة عندما يتسلل خنزير ثمل ليغير الحقائق ويلفقها, وفي حال اعترض أحدهم فإن الجيش له بالمرصاد.

في حال أراد ثائر أن يثور مجدداً ألجم لسانه بمأمأة وبلبلة, فكل ما يحتاجه أي دكتاتور في عالمنا هو قطيع من الخراف تردد ما علمها إياه بالحرف في كل مناسبة مهمة وبأعلى صوت, حتى تخبو كل الأصوات الصادقة وكل المحاولات العاثرة لقول الحق.

بعد أن سرقت الثورة في مزرعة الحيوان حطمت الخنازير كل القوانين, لكنها لم تحطمها تماماً ليس والخنازير يملكون إعلامياً محنكاً يمكنه قلب الحقائق وغزو الرؤوس وقتل النفوس, في حال تذكر ثائر مسكين قانوناً أو أثنين. لم يبقى سوا قانون أخير, البس ثياب البشر وامش مثلهم على اثنتين, في عالمنا نحن هم ليسوا بشراً بل هم تلك الأشياء التي سرقت أرضنا واغتصبتها, نطلق عليها أحياناً خنازير رغم أنهم ليسوا كذلك حقاً, فهم أشد ضلالاً وبغضاً. بعد أن تلبس مثلهم وتمشي مثلهم, تناول معهم العشاء وشاركهم الشراب, وقبل انتهاء السهرة أنت أحدهم, ولا تخف فالعيون التي تراقبك لن تصدق ما ترى, لأن عقولها غسلت جيداً وبرمجت كيف تشاء أنت, بع الأرض والثورة والثروة, وتمسح بأقدامهم جيداً.

ولا تسألوا عن مصير أجيال الثوار القادمة ولا عن مصير أجيالنا نحن, فكلهم ولدوا بأعين لا ترى الحق ورئات لا تعرف نسمة الحرية, وبذاكرات حفظت الذل داخل الأرحام, وتشربت العبودية والقهر حتى إذا ما جاء يوم لتثور كررت الأمر.

الرواية سلسة بسيطة وغير متكلفة, قصيرة ورتيبة أحياناً, منطقية واقعية رغم جنون فكرتها وخياليتها, ورغم أن الرواية نشرت في إنجلترا عام 1945 وهي إسقاط على الأحداث التي سبقت عهد ستالين و خلاله قبل الحرب العالمية الثانية, إلا أنها تتناسب تماماً وعصرنا هذا وأحداث ربيعنا وبالأخص واحدة من أهم ثوراتنا المسروقة, وكأن التاريخ يعيد نفسه, وكأنه يعاد لتلقيننا درساً حفظناه ونحن صغار ثم تناسيناه ونحن كبار, ربما كان يجدر بمدارسنا تدريسنا هذه الرواية في كل فصل دراسي مرة, لكني أشك في أننا كنا لنفقه من هذه الحيوانات شيئاً, فنحن لم نرث من قابيل إلا القتل, ونسينا أن نرث منه ذلك الشيء الذي دفعه للتعلم من الغراب.

لا يمكن أن يكون عزيزي جورج إلا كاهنا أو عرافاً أو أيا يكن ذلك الذي يقرأ المستقبل ويتنبأ بالثورات والانقلابات والدسائس, وغسل العقول وتمويه الحقائق وقتل الأرواح الشابة وسحقها, وترخيص سعر الدم حتى يصبح أرخص من حفنة من تراب مزرعة أو ما يسمونه وطن, جورج حتماً سرق شيء من الحقيقة, سرقها من يومنا هذا ليحشرها في أكباد حيواناته.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحنين وأشياء أخرى في رسالة

عن بغلة القبور

الرابط العجيب بين نشر إيران للتشيع، وغسيل إسرائيل الوردي!