خريطة فارغة




أنا أبحث عن جروحي, أعبث بها, أريدها أن تنزف.

لا تستغرب, قال أحدهم أن الإبداع ينبع من الحزن, أنا لست حزينة, لست سعيدة لكني حتماً لست حزينة, لذلك أنا أحاول أن أسترجع بعضا من أحزاني حتى أكتب شيء يستحق أن يقرأ, فأنا أبدو الآن كمن يتمرن على كتابة الكلمات لا أكثر.

ماذا؟ أتريدني أن أتحدث عن الأمور السعيدة؟ أوه ألا تعرف؟ لقد أفسدت الأمر, كل ذكرياتي السعيدة خلال السنين الماضية أصبحت مؤلمة, لأنني بساطة لم أعد أواكب تطور الأشخاص الذين صنعوها معي, ويبدو أن بعضهم لا يتقبل الأمر.

بطريقة ما وقعت من على الخريطة, أنا الآن أرسم خريطة خاصة بي لا تتضمن سواي, كل أولئك الأشخاص المميزين في حياتي حتماً خارجها.

عندما سجلت الدخول لحياتهم لم أكن أعلم أنه سيتوجب علي بذل جهداً للبقاء فيها حتى بعد أن نصبح بعيدين جداً عن بعضنا, ظننت أن الأمر سيقتصر على اللحظات التي جمعتنا والأماكن التي ضمتنا, وحالما نفترق سنصبح ذكريات جميلة, وأشخاص عندما يستجد أمر في حياتنا, سيكون كل من عرفتهم ذكريات جميلة وأولئك المقربين كذلك, لكن عندما مثلا أتزوج سأخبرهم, سأدعوهم حتى, سأشاركهم حتما الخبر, لكن الأمر يبدو مختلفاً, يبدو أنني أحتاج للبقاء بجوارهم دائماً حتى يتذكرونني بأخبارهم الجميلة, فأن لم أكن بالجوار وإنا أقصد بالجوار مواقع التواصل الاجتماعية الغبية, قد ينتهي بي الحال الوحيدة التي لم تدعى لحفلات زفافهم.

قالت لي فتاة مميزة أن الذنوب تنسي الفرد أصحابه, أعتقد أن ذنوبي هي السبب, أو ربما أنا فقط أنا, أنا التي لا تحب أن تراسل أحدهم لتسأله عن حاله فقط وهي تعرف جيداً أن الحوار سيجري كالتالي:

_ مساء الخير ... كيف الحال
_ بخير ... لقد اشتقت لك كثيراً
 _ أوووه أنا أكثر
_ كيف حالك أنتي
_ بخير
_ ماذا فعلتي بعد الجامعة
_ أنا بلا بلا بلا وأنتي؟
_ أنا بلا بلا بلا
_ وكيف البلا بلا بلا
_ مملة
_ أمم أعانك الله
_ وأنتي
_ متعبة
_ يسر الله أمرك
_وأنتي أيضاً, أيتها الجميلة
_ J
_ J
_ ....
_ ....

همممم لم تصدقني؟ أنا لا أمزح, هذا الحوار حدث لي ويستمر في الحدوث, إذا ما الفائدة من التواصل معهن إن كنا كلنا لن نتحدث كما كنا نفعل, ما الفائدة إن كنا نفعل ذلك فقط لنحظى بدعوة لزفاف إحداهن.

نعم أنا غاضبة غاضبة جداً لأنني لا أحب التواصل مع أحد, لأنني أتصرف كمعتوهة عندما يحاول أحدهم التواصل معي, لأنني أفكر كثيراً بمستقبلي وبكل شيء وأنسى أن أرد على صديقتي لأسبوع, وعندما أتذكر لا أجد عذراً يمكنه أن ينقذني من فشلي الاجتماعي المزري هذا, وهكذا لا أرد أبداً, ربما هي حقاً ذنوبي فأنا مزرية, أنا سيئة جداً, ولا أرى نقطة تحول قريبة على خريطتي.

قل لي ماذا عساي أفعل؟ أنا لا أملك طاقة كافية لأصنع صداقات جديدة, ولا لأعتني بالقديمة, ليس وهذا يعني أنني سأراهن يصبحن رسميات معي, وأنا بالطبع سأفعل, فأنا لن أخبرهم بكل بساطة ما عانيته لأكمل دراستي, ولا ما أعانيه لأنشر كتاباتي, ولا كل تلك الأشياء الغبية التي تحدث في عائلتي الغريبة, لن أشكو لهم أبي ولا أمي, لن أشكو لهم حتى مني, وبالطبع هم لن يفعلوا.

أنا فقط أشتاق لصديقاتي كما عهدتهن, لم أضطر من قبل لأن أسأل إحداهن عن حالها خارج أوقات الدوام الرسمية, ولا لأن أتصل بها لغير ضرورة دراسية ملحة. أنا أشتاق لهن كما عهدتهن, لكنهن الآن فتيات مختلفات, أنا أعرف أنني تغيرت.

ربما أنا تلك الحجرة المتقلبة, لا يعلق بي شيء, لكني حتماً سأعرف الكثيرين, وربما في المرة القادمة عندما أتقرب من أحدهن سأخبرها في البداية أنني لن أتصل بها في حال توقفنا عن رؤية بعضنا البعض كل يوم, وأنني لا أتوقع منها أن تفعل, إلا في حالة أردت أن أشاركها خبراً سعيداً, أو في حال أرادت هي أن تفعل.


سلام على صديقاتي, سلام عليهن جميعاً.



تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

الحنين وأشياء أخرى في رسالة

عن بغلة القبور

الرابط العجيب بين نشر إيران للتشيع، وغسيل إسرائيل الوردي!